فصل: اكتساب المال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


أقسام المال

قسّم الفقهاء المال تقسيماتٍ كثيرةً بحسب الاعتبارات الفقهيّة المتعدّدة‏,‏ وذلك على النّحو التّالي‏:‏

أ - بالنّظر إلى التّقوم‏:‏

4 - لم يجعل الحنفيّة من عناصر الماليّة إباحة الانتفاع شرعاً‏,‏ واكتفوا باشتراط العينيّة والانتفاع المعتاد وتمول النّاس في اعتبار الشّيء مالاً‏,‏ وقد حداهم التزام هذا المفهوم للمال إلى تقسيمه إلى قسمين‏:‏ متقوّمٍ‏,‏ وغير متقوّمٍ‏.‏

فالمال المتقوّم عندهم‏:‏ هو ما يباح الانتفاع به شرعاً في حالة السّعة والاختيار‏.‏

والمال غير المتقوّم‏:‏ هو ما لا يباح الانتفاع به في حالة الاختيار‏,‏ كالخمر والخنزير بالنّسبة للمسلم‏.‏ أما بالنّسبة للذّمّيّين فهي مال متقوّم‏,‏ لأنّهم لا يعتقدون حرمتها ويتموّلونها‏,‏ وقد أمرنا بتركهم وما يدينون‏.‏

وقد بنوا على ذلك التّقسيم‏:‏ أنّ من اعتدى على مالٍ متقوّمٍ ضمنه‏,‏ أمّا غير المتقوّم فالجناية عليه هدر‏,‏ ولا يلزم متلفه ضمان‏.‏

كما أنّ إجازة التّصرف الشّرعيّ بالمال منوطة بتقومه‏,‏ فالمال المتقوّم يصح التّصرف فيه بالبيع والهبة والوصيّة والرّهن وغيرها‏.‏

أمّا غير المتقوّم فلا يصح التّصرف فيه شرعاً بأيّ نوعٍ من هذه التّصرفات ونحوها‏.‏

على أنّه لا تلازم بين التّقوم بهذا المعنى وبين الماليّة في نظر الحنفيّة‏,‏ فقد يكون الشّيء متقوّماً‏,‏ أي مباح الانتفاع‏,‏ ولا يكون مالاً‏,‏ لفقدان أحد عناصر الماليّة المتقدّمة عندهم‏,‏ وذلك كالحبّة من القمح والكسرة الصّغيرة من فتات الخبز والتراب المبتذل ونحو ذلك‏.‏

نقل ابن نجيمٍ عن الكشف الكبير‏:‏ الماليّة تثبت بتمول النّاس كافّةً أو بعضهم‏,‏ والتّقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعاً‏,‏ فما يباح بلا تمولٍ لا يكون مالاً‏,‏ كحبّة حنطةٍ‏,‏ وما يتموّل بلا إباحة انتفاعٍ لا يكون متقوّماً كالخمر‏,‏ وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما كالدّم‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وحاصله أنّ المال أعم من المتقوّم‏,‏ لأنّ المال ما يمكن ادّخاره ولو غير مباحٍ كالخمر‏,‏ والمتقوّم ما يمكن ادّخاره مع الإباحة‏,‏ فالخمر مال‏,‏ لا متقوّم‏.‏

ويرى الحنفيّة من جهةٍ أخرى أنّ عدم التّقوم لا ينافي الملكيّة‏,‏ فقد تثبت الملكيّة للمسلم على مالٍ غير متقوّمٍ‏,‏ كما لو تخمّر العصير عنده‏,‏ أو عنده خمر أو خنزير مملوكين له وأسلم عليهما‏,‏ ومات قبل أن يزيلهما وله وارث مسلم فيرثهما‏,‏ واصطاد الخنزير‏,‏ وذلك لأنّ الملكيّة تثبت على المال‏,‏ والماليّة ثابتة في غير المتقوّم‏,‏ ولكنّ عدم التّقوم ينافي ورود العقود من المسلم على المال غير المتقوّم‏.‏

وقد يراد أحياناً بالمتقوّم على ألسنة فقهاء الحنفيّة معنى المحرز‏,‏ حيث إنّهم يطلقون مصطلح ‏"‏ غير المتقوّم ‏"‏ أيضاً على المال المباح قبل الإحراز‏,‏ كالسّمك في البحر‏,‏ والأوابد من الحيوان‏,‏ والأشجار في الغابات‏,‏ والطّير في جوّ السّماء‏,‏ فإذا اصطيد أو احتطب صار متقوّماً بالإحراز‏.‏

أما جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة الحنابلة فقد اعتبروا إباحة الانتفاع عنصراً من عناصر الماليّة‏,‏ فالشّيء إذا لم يكن مباح الانتفاع به شرعاً فليس بمال أصلاً‏,‏ ولذلك لم يظهر عندهم تقسيم المال إلى متقوّمٍ وغير متقوّمٍ بالمعنى الّذي قصده الحنفيّة‏,‏ وهم إذا أطلقوا لفظ ‏"‏ المتقوّم ‏"‏ أرادوا به ما له قيمة بين النّاس و ‏"‏ غير المتقوّم ‏"‏ ما ليس له قيمةً في عرفهم‏.‏

وعلى ذلك جاء في شرح الرّصّاع على حدود ابن عرفة‏:‏ أنّ المعتبر في التّقويم إنّما هو مراعاة المنفعة الّتي أذن الشّارع فيها‏,‏ وما لا يؤذن فيه فلا عبرة به‏,‏ فلا تعتبر قيمته‏,‏ لأنّ المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً‏.‏

وعلى ذلك فلم يعتبر جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والحنابلة الخمر والخنزير في عداد الأموال أصلاً بالنّسبة للمسلم والذّمّيّ على حدٍّ سواءٍ‏,‏ ولم يوجبوا الضّمان على متلفهما مطلقاً‏,‏ في حين عدّهما الحنفيّة مالاً متقوّماً في حقّ الذّمّيّ‏,‏ وألزموا متلفهما مسلماً كان أم ذمّياً الضّمان‏.‏

وقد وافق المالكيّة الحنفيّة في وجوب الضّمان على متلف خمر الذّمّيّ‏,‏ لاعتباره مالاً في حقّ الذّمّيّ لا في حقّ المسلم عندهم‏,‏ دون أن يوافقوا الحنفيّة على تقسيمهم المال إلى متقوّمٍ وغير متقوّمٍ بالمعنى الّذي أرادوه‏.‏

ب - بالنّظر إلى كونه مثلياً أو قيمياً‏:‏

5 - قسّم الفقهاء المال إلى قسمين‏:‏ مثليٍّ‏,‏ وقيميٍّ‏.‏

فالمال المثلي‏:‏ هو ما يوجد مثله في السوق بدون تفاوتٍ يعتد به‏.‏

وهو في العادة‏:‏ إمّا مكيل - أي مقدّر بالكيل - كالقمح والشّعير ونحوهما‏,‏ أو موزون كالمعادن من ذهبٍ وفضّةٍ وحديدٍ ونحوها‏,‏ أو مذروع كأنواع من المنسوجات الّتي لا تفاوت بينها‏,‏ أو معدود كالنقود المتماثلة والأشياء الّتي تقدّر بالعدد‏,‏ وليس بين أفرادها تفاوت يعتد به‏,‏ كالبيض والجوز ونحوهما‏.‏

والمال القيمي‏:‏ هو ما لا يوجد له مثل في السوق‏,‏ أو يوجد لكن مع التّفاوت المعتدّ به في القيمة‏,‏ وقد سمّي هذا النّوع من الأموال قيمياً نسبةً للقيمة الّتي يتفاوت بها كل فردٍ منه عن سواه‏.‏

ومن أمثلة القيميّ‏:‏ كل الأشياء القائمة على التّغاير في النّوع أو في القيمة أو فيهما معاً كالحيوانات المتفاوتة الآحاد من الخيل والإبل والبقر والغنم ونحوها‏,‏ وكذا الدور والمصنوعات اليدويّة من حليٍّ وأدواتٍ وأثاثٍ منزليٍّ الّتي تتفاوت في أوصافها ومقوّماتها‏,‏ ويتميّز كل فردٍ منها بمزايا لا توجد في غيره‏,‏ حتّى أصبح له قيمة خاصّة به‏.‏

ومنها أيضاً‏:‏ المثليّات الّتي فقدت من الأسواق أو أصبحت نادرةً‏,‏ كبعض المصنوعات القديمة الّتي انقطعت من الأسواق‏,‏ وأصبح لها اعتبار خاص في قيمتها ينقلها إلى زمرة القيميّات وكذا كل وحدةٍ لم تعدّ متساويةً مع نظائرها من وحدات المثليّ‏,‏ بأن نقصت قيمتها لعيب أو استعمالٍ أو غير ذلك‏,‏ فإنّها تصبح من القيميّات‏,‏ كالأدوات والآلات والسّيّارات بعد استعمالها‏,‏ وذلك لتغير أوصافها وقيمها‏.‏

والواجب في إتلاف المثليّات هو ضمان المثل‏,‏ لأنّه البدل المعادل‏,‏ بخلاف القيميّات فإنّها تضمن بالقيمة‏,‏ إذ لا مثل لها‏.‏

والمثلي يصح كونه ديناً في الذّمّة باتّفاق الفقهاء‏,‏ أمّا القيمي فهناك تفصيل وخلاف في جواز جعله ديناً في الذّمّة‏.‏

‏(‏ر‏:‏ دين ف 8‏)‏‏.‏

ج - بالنّظر إلى تعلق حقّ الغير به‏:‏

6 - ينقسم المال بالنّظر إلى تعلق حقّ الغير به إلى قسمين‏:‏

ما تعلّق به حق غير المالك‏,‏ وما لم يتعلّق به حق لغير مالكه‏.‏

فالمال الّذي تعلّق به حق الغير‏:‏ هو الّذي ارتبطت عينه أو ماليّته بحقّ مقرّرٍ لغير ملاكه‏,‏ كالمال المرهون‏,‏ فلا يكون لمالكه أن يتصرّف فيه بما يخل بحقوق المرتهن‏.‏

‏(‏ر‏:‏ رهن ف 17‏)‏‏.‏

وأمّا المال الّذي لم يتعلّق به حق الغير‏:‏ فهو المال الخالص لمالكه‏,‏ دون أن يتعلّق به حق أحدٍ غيره ولصاحبه أن يتصرّف فيه - رقبةً ومنفعةً - بكلّ وجوه التّصرف المشروعة‏,‏ بدون توقفٍ على إذن أحدٍ أو إجازته لسلامته وخلوصه من ارتباط حقّ الغير به‏.‏

د - بالنّظر إلى النّقل والتّحويل‏:‏

7 - قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى إمكان نقله وتحويله إلى قسمين‏:‏ منقول‏,‏ وعقار‏.‏ فالمال المنقول‏:‏ هوّ كل ما يمكن نقله وتحويله، فيشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلات والموزونات وما أشبه ذلك‏.‏

والعقار‏:‏ هو ما له أصل ثابت لا يمكن نقله وتحويله، كالأراضي والدور ونحوها‏.‏

قال أبو الفضل الدّمشقي‏:‏ العقار صنفان‏,‏ أحدهما‏:‏ المسقّف‏,‏ وهو الدور والفنادق والحوانيت والحمّامات والأرحية والمعاصر والفواخير والأفران والمدابغ والعراص‏.‏

والآخر‏:‏ المذدرع‏,‏ ويشتمل على البساتين والكروم والمراعي والغياض والآجام وما تحويه من العيون والحقوق في مياه الأنهار‏.‏

8 - وقد اختلف الفقهاء في البناء والشّجر الثّابت‏,‏ هل يعتبران من العقار أم المنقول ‏؟‏ فذهب جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّهما من العقار‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يعتبران من المنقولات‏,‏ إلا إذا كانا تابعين للأرض‏,‏ فيسري عليهما حينئذٍ حكم العقار بالتّبعيّة‏.‏

هـ - بالنّظر إلى النّقديّة‏:‏

9 - قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى اتّصافه بالنّقديّة إلى قسمين‏:‏ نقود‏,‏ وعروض‏.‏

فالنقود‏:‏ جمع نقدٍ‏,‏ وهو الذّهب والفضّة وعلى ذلك نصّت مجلّة الأحكام العدليّة على أنّ النّقد هو‏:‏ عبارة عن الذّهب والفضّة‏,‏ سواء كانا مسكوكين أو لم يكونا كذلك‏,‏ ويقال للذّهب والفضّة النّقدان‏.‏

ويلحق بالذّهب والفضّة في الحكم الأوراق الرّائجة في العصر الحاضر‏.‏

والعروض‏:‏ جمع عرضٍ‏,‏ وهو كل ما ليس بنقد من المتاع‏.‏

قال في المغني‏:‏ العرض هو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعه‏,‏ من النّبات والحيوان والعقار وسائر المال‏.‏

وقد أدخل بعض فقهاء الحنابلة النّقد في العروض إذا كان متّخذاً للاتّجار به‏,‏ تأسيساً على أنّ العرض هو كل ما أعدّ لبيع وشراءٍ لأجل الرّبح‏,‏ ولو من نقدٍ‏,‏ قال البهوتيّ‏:‏ سمّي عرضاً‏,‏ لأنّه يعرض ليباع ويشترى‏,‏ تسميةً للمفعول بالمصدر‏,‏ كتسمية المعلوم علماً‏,‏ أو لأنّه يعرض ثمّ يزول ويفنى‏.‏

و - بالنّظر إلى رجاء صاحبه في عوده إليه‏:‏

10 - قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى رجاء صاحبه في عوده إليه بعد زوال يده عنه إلى قسمين‏:‏ ضمار‏,‏ ومرجوّ‏.‏

فالمال الضّمار‏:‏ هو المال الّذي لا يتمكّن صاحبه من استنمائه لزوال يده عنه‏,‏ وانقطاع أمله في عوده إليه‏.‏

وأصله من الإضمار‏,‏ وهو في اللغة‏:‏ التّغيب والاختفاء‏.‏

وعلى ذلك عرّفه صاحب المحيط من الحنفيّة بقوله‏:‏ هو كل ما بقي أصله في ملكه‏,‏ ولكن زال عن يده زوالاً لا يرجى عوده في الغالب‏.‏

وقال سبط بن الجوزيّ‏:‏ وتفسير الضّمار أن يكون المال قائماً‏,‏ وينسدّ طريق الوصول إليه‏.‏

ومن أمثلته‏:‏ المال المغصوب إذا لم يكن لصاحبه على الغاصب بيّنة‏,‏ والمال المفقود كبعير ضالٍّ وعبدٍ آبقٍ‏,‏ إذ هو كالهالك لعدم قدرة صاحبه عليه، وكذا المال السّاقط في البحر‏,‏ لأنّه في حكم العدم‏,‏ والمال المدفون في برّيّةٍ أو صحراء إذا نسي صاحبه مكانه‏,‏ والدّين المجحود إذا جحده المدين علانيةً‏,‏ ولم يكن لصاحبه عليه بيّنة‏.‏

والمال المرجو‏:‏ هو المال الّذي يرجو صاحبه عوده إليه‏,‏ لإقرار صاحب اليد له بالملك‏,‏ وعدم امتناعه عن الرّدّ عند الطّلب أو عند حلول الأجل المضروب لردّه، ومنه الدّين المقدور عليه‏,‏ الّذي يأمل الدّائن اقتضاءه‏,‏ لكون المدين حاضراً مقراً به مليئاً باذلاً له‏,‏ أو جاحداً له‏,‏ لكن لصاحبه عليه بيّنة‏.‏

وإنّما سمّي كذلك من الرّجاء‏,‏ الّذي هو في اللغة‏:‏ ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة‏.‏ وتظهر ثمرة هذا التّقسيم في باب الزّكاة‏,‏ حيث اختلف الفقهاء في زكاة المال الضّمار وما يتعلّق بها من الأحكام‏.‏

‏(‏ر‏:‏ ضمار ف 12‏)‏‏.‏

ز - بالنّظر إلى نمائه‏:‏

11 - قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى نمائه أو عدم نمائه إلى قسمين‏:‏ نامٍ‏,‏ وقنية‏.‏

فالمال النّامي‏:‏ هو الّذي يزيد ويكثر، من النّماء الّذي يعني في اللغة الزّيادة والكثرة‏.‏

وهو في الشّرع نوعان‏:‏ حقيقي‏,‏ وتقديري‏.‏

فالحقيقي‏:‏ الزّيادة بالتّوالد والتّناسل والتّجارات‏.‏

والتّقديري‏:‏ تمكنه من الزّيادة‏,‏ بكون المال في يده أو يد نائبه‏.‏

ومال القنية‏:‏ هو الّذي يتّخذه الإنسان لنفسه لا للتّجارة‏.‏

قال الأزهري‏:‏ القنية‏:‏ المال الّذي يؤثّله الرّجل ويلزمه ولا يبيعه ليستغلّه‏.‏

ويظهر أثر التّقسيم في الزّكاة إذ أنّها تجب في المال النّامي دون مال القنية وذلك في الجملة والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏زكاة ف 27‏)‏‏.‏

الزّكاة في الأموال الظّاهرة والباطنة

12 - الأموال بالنّظر إلى وجوب دفع زكاتها إلى وليّ الأمر لتوزيعها على مستحقّيها قسمان‏:‏ باطنة وظاهرة‏.‏

وجمهور الفقهاء على أنّ أداء زكاة الأموال الباطنة مفوّض إلى أربابها‏,‏ أمّا الأموال الظّاهرة ففيها تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏زكاة ف 142 - 143‏)‏‏.‏

التّخلص من المال الحرام

13 - إذا كان المال الّذي في يد المسلم حراماً فإنّه لا يجوز له إمساكه ويجب عليه التّخلص منه‏,‏ وهذا المال إمّا أن يكون حراماً محضاً وقد سبق بيان حكمه وطريقة التّخلص منه في مصطلح‏:‏ ‏(‏كسب ف 17‏)‏‏.‏

وإمّا أن يكون مختلطاً بأن كان بعضه حلالاً وبعضه حراماً ولا يتميّز بعضه عن بعضٍ فجمهور الفقهاء على أنّه يجب على من بيده هذا المال أن يخرج قدر الحرام ويدفعه لمستحقّه ويكون الباقي في يده حلالاً‏.‏

قال أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه‏:‏ إن كان المال كثيراً أخرج منه قدر الحرام وتصرّف في الباقي‏,‏ وإن كان المال قليلاً اجتنبه كلّه‏,‏ وهذا لأنّ القليل إذا تناول منه شيئاً فإنّه تبعد معه السّلامة من الحرام بخلاف الكثير‏.‏

وذهب بعض الغلاة من أرباب الورع كما قال ابن العربيّ إلى أنّ المال الحلال إذا خالطه حرام حتّى لم يتميّز ثمّ أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحلّ ولم يطب‏,‏ لأنّه يمكن أن يكون الّذي أخرج هو الحلال والّذي بقي هو الحرام‏.‏

حرمة مال المسلم والذّمّيّ

14 - اتّفق الفقهاء على حرمة مال المسلم والذّمّيّ‏,‏ وأنّه لا يجوز غصبه ولا الاستيلاء عليه‏,‏ ولا أكله بأيّ شكلٍ كان وإن كان قليلاً‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ‏}‏‏.‏

وقوله عليه الصّلاة والسّلام‏:‏ «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا»‏.‏

وقوله‏:‏ «ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه حقّه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ منه‏,‏ فأنا حجيجه يوم القيامة»‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ أهل الذّمّة ف 20 غصب ف 7 وما بعدها‏)‏‏.‏

دفع مال المحجور إليه

15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا تسلّم للصّغير أمواله حتّى يبلغ راشداً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ الصّغير إذا بلغ بالسّنّ رشيداً وماله في يد وصيّه أو وليّه فإنّه يدفع إليه ماله‏,‏ وإن بلغ غير رشيدٍ لا يدفع إليه ماله حتّى يبلغ خمساً وعشرين سنةً‏,‏ فإذا بلغ خمساً وعشرين سنةً يدفع إليه ماله عند أبي حنيفة يتصرّف فيه ما شاء‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ صغر ف 37‏,‏ ورشد ف 7 - 10‏)‏‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء القائلين بالحجر على السّفيه إلى أنّ الحجر عليه في ماله لا يفك إلا بعد إيناس الرشد منه‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ حجر ف 8‏,‏ 11‏)‏‏.‏

اكتساب المال

16 - ذهب الفقهاء إلى أنّ اكتساب المال بقدر الكفاية لنفسه وعياله وقضاء ديونه ونفقة من تجب عليه نفقته فرض‏.‏

فإن ترك الاكتساب بعد ذلك وسعه‏,‏ وإن اكتسب ما يدّخره لنفسه وعياله فهو في سعةٍ‏,‏ وتستحب الزّيادة على الفرض ليواسي به فقيراً أو يجازي به قريباً فإنّه أفضل من التّخلّي لنفل العبادة‏.‏

وللاكتساب طرق مختلقة تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏كسب ف 10 - 11‏)‏‏.‏

أكل الوصيّ أو القيّم مِنْ مال مَنْ عليه الوصاية أو القوامة

17 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الوصيّ والقيّم‏,‏ إذا شغلا أي منهما عن كسب قوته بتدبير مال من عليه الوصاية أو القوامة‏,‏ أو لم يكن لأيٍّ منهما مال يأكل منه فإنّه يجوز له أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف‏,‏ فإن لم يشغل أي منهما عن كسب قوته أو كان له مال يأكل منه فالمستحب له التّعفف عن الأكل من مال من عليه الوصاية أو القوامة‏.‏

لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏ وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ ولاية ويتيم‏)‏‏.‏

تنمية المال

18 - شرع الإسلام تنمية المال حفاظاً عليه لمصلحة مالكه ومصلحة الجماعة‏,‏ والحفاظ على المال مقصد من مقاصد الشّريعة وتنمية المال تكون بتجارة أو زراعةٍ أو صناعةٍ أو غيرها في حدود ما شرعه اللّه تعالى‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إنماء ف 12 وما بعدها‏)‏‏.‏

ما يتعلّق بالمال من حقوقٍ

19 - الحقوق المتعلّقة بالمال إمّا حقوق للّه تعالى وإمّا حقوق للعباد‏.‏

أما حقوق اللّه تعالى فهي ما يتعلّق به النّفع العام فلا يختص به أحد‏,‏ وإنّما هو عائد على المجموع‏,‏ ونسب هذا الحق إلى اللّه تعالى تعظيماً لشأنه‏.‏

ومن هذه الحقوق‏:‏ زكاة المال وصدقة الفطر والكفّارات والخراج على الأرض الزّراعيّة وغيرها من الحقوق‏.‏

وأمّا حقوق العباد فهي ما لبعض العباد على غيرهم من الحقوق الماليّة كثمن المبيع والدّين والنّفقات وغيرها من الحقوق‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حق ف 12 وما بعدها‏)‏‏.‏

الأموال الرّبويّة وغيرها

20 - الأموال تنقسم إلى قسمين‏:‏

أ - الأموال الرّبويّة‏:‏ وقد اتّفق الفقهاء منها على الأصناف السّتّة الّتي ورد بها حديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة والبر بالبرّ والشّعير بالشّعير والتّمر بالتّمر والملح بالملح‏,‏ مثلاً بمثل‏,‏ يداً بيد‏,‏ فمن زاد أو استزاد فقد أربى‏,‏ الآخذ والمعطي فيه سواء»‏.‏

واختلف الفقهاء فيما وراء هذه الأصناف السّتّة والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏رباً ف 35 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - الأموال غير الرّبويّة‏:‏ وهي ما عدا الأصناف السّتّة الواردة في الحديث والأصناف الّتي ألحقها الفقهاء بهذه الأصناف لوجود علّة التّحريم‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏رباً ف 20 وما بعدها‏)‏‏.‏

مَالِيّة

انظر‏:‏ مال‏.‏

مُبَاح

انظر‏:‏ إباحة‏.‏

مُبَارَأة

انظر‏:‏ إبراء‏,‏ خلع‏.‏

مُبارَزة

التّعريف

1 - المبارزة في اللغة‏:‏ مفاعلة من برز‏,‏ يقال برز الرّجل بروزاً‏:‏ أي خرج إلى البراز أي الفضاء‏,‏ وظهر بعد الخفاء‏,‏ وبرز له‏:‏ انفرد عن جماعته لينازله‏.‏

ويقال‏:‏ بارزه مبارزةً وبرازاً‏:‏ برز إليه ونازله‏.‏

والمبارزة في الاصطلاح‏:‏ ظهور اثنين من الصّفّين للقتال‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الجهاد‏:‏

2 - الجهاد مصدر جاهد‏,‏ يقال‏:‏ جاهد العدوّ جهاداً ومجاهدةً‏:‏ قاتله‏,‏ وهو من الجهد‏.‏ والجهاد في الاصطلاح‏:‏ قتال مسلمٍ كافراً غير ذي عهدٍ بعد دعوته للإسلام وإبائه‏,‏ إعلاءً لكلمة اللّه تعالى‏.‏

والصّلة بين المبارزة والجهاد أنّ المبارزة - غالباً - تكون بين واحدٍ أو أفرادٍ معيّنين محصورين من المسلمين ومثلهم من الكفّار‏,‏ أمّا الجهاد فإنّه يكون بين جيش المسلمين وجيش الكفّار دون تعيينٍ أو حصرٍ لفرد أو أفرادٍ من الجيشين‏,‏ فالجهاد أعم من المبارزة‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المبارزة في الجهاد مشروعة‏,‏ واستدلوا على ذلك بفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ‏,‏ فقد دعا أبي بن خلفٍ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى البراز فبرز إليه فقتله‏.‏

كما استدلوا بإقراره صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها وندبهم لها‏,‏ فعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنّه قال عن غزوة بدرٍ‏:‏ «برز عتبة وأخوه وابنه الوليد حميّةً‏,‏ وقالوا‏:‏ من يبارز ‏؟‏ فخرج فتية من الأنصار ستّة فقال عتبة‏:‏ لا نريد هؤلاء‏,‏ ولكن يبارزنا من بني عمّنا من بني عبد المطّلب، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ قم يا علي‏,‏ وقم يا حمزة‏,‏ وقم يا عبيدة بن الحارث بن المطّلب‏,‏ فقتل اللّه تعالى عتبة وشيبة ابني ربيعة‏,‏ والوليد بن عتبة‏,‏ وجرح عبيدة‏,‏ فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين»‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ ولم يزل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبارزون في عصره وبعده ولم ينكره منكر فكان ذلك إجماعاً‏.‏

وذهب الفقهاء إلى أنّ المبارزة في الأصل جائزة‏,‏ وقيّد بعضهم الجواز بإذن الإمام مطلقاً‏,‏ أو بإذن الإمام العدل‏,‏ أو بإذن الإمام إن أمكن أو إن كان له رأي‏,‏ كما قيّده بعضهم بقوّة المسلم الّذي يخرج إليها وقدرته عليها‏,‏ وبكونه لم يطلبها‏.‏

ونقل ابن قدامة عن الحسن أنّه لم يعرف المبارزة‏,‏ وكرهها‏.‏

ومع ذلك قد تندب المبارزة أو تكره أو تحرم‏.‏

على تفصيلٍ يأتي إن شاء اللّه تعالى‏.‏

إذن الإمام في المبارزة

4 - ذهب الفقهاء إلى أنّ إذن الإمام أو أمير الجيش في المبارزة معتبر شرعاً‏,‏ ولهم في ذلك تفصيل‏:‏

فقال المالكيّة‏:‏ إنّ المبارزة تجوز‏,‏ وشرط بعضهم إذن الإمام العدل‏,‏ ولم يشترطه غيرهم‏,‏ وروي عن مالكٍ‏:‏ إن دعا العدو للمبارزة فأكره أن يبارزه أحد إلا بإذن الإمام العدل واجتهاده‏,‏ وقال ابن وهبٍ‏:‏ لا يجوز أن يبارز إلا بإذن الإمام إن كان عدلاً‏,‏ وقال ابن رشدٍ‏:‏ إنّ الإمام إذا كان غير عدلٍ لم يلزم استئذانه في مبارزةٍ ولا قتالٍ إذ قد ينهاه عن غرّةٍ قد تبيّنت له فيلزم طاعته‏,‏ فإنّما يفترق العدل من غير العدل في الاستئذان لا في طاعته إذا أمر بشيء أو نهى عنه‏,‏ لأنّ الطّاعة للإمام من فرائض الغزو فواجب على الرّجل طاعة الإمام فيما أحبّ أو كره‏,‏ وإن كان غير عدلٍ‏,‏ ما لم يأمره بمعصية‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ إذن الإمام أو أمير الجيش في المبارزة شرط في استحبابها‏,‏ لأنّ للإمام أو أمير الجيش نظراً في تعيين الأبطال‏,‏ والاستحباب حينئذٍ إن كان الكافر قد طلب المبارزة‏,‏ لما في تركها من الضّعف للمسلمين والتّقوية للكافرين‏,‏ فإن لم يطلب الكفّار المبارزة كان إذن الإمام أو أمير الجيش شرطاً في إباحتها‏,‏ فإن لم يؤذن من أيّهما في المبارزة جازت مع الكراهة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ المسلم المجاهد لا يبارز علجاً إلا بإذن الأمير لأنّه أعلم بحال النّاس وحال العدوّ ومكامنهم وقوّتهم‏,‏ فإن بارز بغير إذنٍ فقد يكون ضعيفاً لا يقوى على مبارزة من لا يطيقه فيظفر به العدو‏,‏ فتنكسر قلوب المسلمين بخلاف ما إذا أذن له‏,‏ فإنّه لا يكون إلا مع انتفاء المفاسد‏,‏ إذ أنّ الأمير يختار للمبارزة من يرضاه لها فيكون أقرب إلى الظّفر وجبر قلوب المسلمين وكسر قلوب المشركين‏.‏

وقيّد بعضهم اشتراط الإذن بأن يكون ممكناً‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إن كان الأمير لا رأي له فعلت المبارزة بغير إذنه‏.‏

وإذن الإمام يعتبر في المبارزة قبل التحام الحرب لأنّ قلوب المسلمين تتعلّق بالمبارز وترتقب ظفره‏,‏ بخلاف الانغماس في الكفّار فلا يتوقّف على إذنٍ لأنّ من يفعل ذلك يطلب الشّهادة ولا يترقّب منه ظفر ولا مقاومة‏.‏

طلب المبارزة والإجابة إليها

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ إجابة المسلم لطلب الكافر المبارزة جائزة إن كان كفء الكافر‏,‏ وقال بعضهم إنّها حينئذٍ تكون مستحبّةً‏,‏ وقيّد ذلك بعضهم بإذن الإمام‏,‏ ولكلّ من الفقهاء تفصيل في الإجابة إليها أو طلبها ابتداءً‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ الدّعوة إلى المبارزة‏:‏ جائزة‏,‏ وروى أشهب في الرّجل بين الصّفّين يدعو إلى المبارزة‏:‏ لا بأس به إن صحّت نيّته‏,‏ قال سحنون‏:‏ ووثق بنفسه خوف إدخال الوهن على النّاس‏.‏

والإجابة إلى المبارزة عندهم جائزة‏,‏ على ما سبق بيانه‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه على جواز المبارزة والدّعوة إليها وشرط بعضهم فيها إذن الإمام‏.‏ ولم يشترطه غيرهم‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ تستحب الإجابة إلى طلب المبارزة ممّن عرف من نفسه القوّة والجراءة وذلك بإذن الإمام‏,‏ لأنّ في تركها حينئذٍ إضعافاً للمسلمين وتقويةً للكافرين‏.‏

ويجوز طلب المبارزة وإن لم يطلبها الكافر‏,‏ وعرف من يخرج إليها من نفسه القوّة والجراءة وأذن له الإمام‏.‏

وقال الرّملي‏:‏ تجوز من غير إذن الإمام لأنّ التّغرير بالنّفس في الجهاد جائز‏.‏

ويكره طلب المبارزة والإجابة إليها ممّن لم يعرف من نفسه القدرة عليها وبغير إذن الإمام‏.‏ وقالوا‏:‏ تحرم المبارزة على فرعٍ ومدينٍ ورقيقٍ لم يؤذن لهم في خصوصها‏,‏ أي أذن لهم في الجهاد من غير تصريحٍ بالإذن في المبارزة‏.‏

ونقل الشّبراملسي عن البلقينيّ وغيره في العبد والفرع المأذون لهما في الجهاد من غير تصريحٍ في الإذن في البراز أنّه يكره لهما المبارزة ابتداءً وإجابةً‏,‏ ونقل عن شرح الرّوض أنّ مثلهما فيما يظهر المدين‏,‏ وقال‏:‏ يؤيّده ما قالوه إنّه يستحب له توقّي مظانّ الشّهادة‏.‏ ونقل الرّملي عن الماورديّ تحريم المبارزة على من يؤدّي قتله إلى هزيمة المسلمين‏.‏

وقال الماورديّ‏:‏ لتمكين المبارزة شرطان‏:‏

أحدهما أن يكون ذا نجدةٍ وشجاعةٍ يعلم من نفسه أنّه لن يعجز عن مقاومة عدوّه‏,‏ فإن كان بخلافه منع‏,‏ والثّاني‏:‏ أن لا يكون زعيماً للجيش يؤثّر فقده فيهم‏,‏ فإنّ فقد الزّعيم المدبّر مفضٍ إلى الهزيمة‏,‏ ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقدم على البراز ثقةً بنصر اللّه سبحانه وإنجاز وعده وليس ذلك لغيره‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن دعا كافر إلى البراز استحب لمن يعلم من نفسه القوّة والشّجاعة مبارزته بإذن الأمير‏,‏ لمبارزة الصّحابة في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن بعده‏,‏ قال قيس بن عبّادٍ‏:‏ «سمعت أبا ذرٍّ يقسم قسماً أنّ هذه الآية‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ نزلت في الّذين برزوا يوم بدرٍ‏:‏ حمزة وعليٍّ وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة» وكان ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم، ولأنّ في الإجابة إلى المبارزة في هذه الحالة، رداً عن المسلمين وإظهاراً لقوّتهم وجلدهم على الحرب‏.‏

وطلب المسلم المجاهد الشجاع الكافر لمبارزته يباح ولا يستحب‏,‏ لأنّه لا حاجة إلى المبارزة‏,‏ ولا يأمن أن يغلب فيكسر قلوب المسلمين‏,‏ إلا أنّه لمّا كان شجاعاً واثقاً من نفسه أبيح له‏,‏ لأنّه بحكم الظّاهر غالب‏.‏

أما الضّعيف الّذي لا يثق من نفسه‏,‏ ولا يعرف فيها القوّة والشجاعة فإنّه تكره له المبارزة‏,‏ لما فيها من كسر قلوب المسلمين لقتله ظاهراً‏.‏

سلب المبارز

6 - قال جمهور الفقهاء‏:‏ إنّ السّلب ليس مختصّاً بالقاتل المبارز وإنّما هو للمسلم الّذي يقتل الكافر في المبارزة أو في غيرها‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏سلب ف 6 وما بعدها‏)‏‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لو خرج عشرة من المشركين للقتال والمبارزة‏,‏ فقال الأمير لعشرة من المسلمين‏:‏ أبرزوا إليهم‏,‏ إن قتلتموهم فلكم أسلابهم‏,‏ فبرزوا إليهم فقتل كل رجلٍ منهم رجلاً‏,‏ كان لكلّ رجلٍ سلب قتيله استحساناً‏.‏

ونصّ الحنابلة - كما قال البهوتيّ - على أنّ المسلم إن قتل الكافر المبارز أو أثخنه فله سلبه‏,‏ لحديث أنسٍ وسمرة رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه» وظاهره‏:‏ ولو كانت المبارزة بغير إذنٍ وقطع به في المغني‏,‏ لعموم الأدلّة‏,‏ وفي الإرشاد‏:‏ إن بارز بغير إذن الإمام فلا يستحق السّلب‏,‏ وجزم به ناظم المفردات‏.‏

الخدعة في المبارزة

7 - قال ابن قدامة‏:‏ تجوز الخدعة في الحرب للمبارز وغيره‏,‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الحرب خدعة»‏,‏ ولما روي أنّ عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه لمّا بارز عمرو بن عبد ودٍّ قال له علي‏:‏ ما برزت لأقاتل اثنين‏,‏ فالتفت عمرو‏,‏ فوثب علي فضربه‏,‏ فقال عمرو‏:‏ خدعتني‏,‏ فقال علي كرّم اللّه وجهه‏:‏ الحرب خدعة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏خديعة ف 12‏)‏‏.‏

شروط المبارز

8 - يجب الوفاء بما شرطه الكافر المبارز على قرنه المسلم عند طلب المبارزة أو الخروج إليها - في الجملة - لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون على شروطهم»‏.‏

قال الدسوقيّ‏:‏ إذا برز للميدان واحد من شجعان المسلمين وطلب أنّ قرينه فلاناً الكافر يبرز له‏,‏ فقال ذلك الكافر‏:‏ بشرط أن نتقاتل ماشيين أو راكبين‏,‏ على خيلٍ أو إبلٍ‏,‏ أو نتقاتل بالسيوف أو الرّماح‏,‏ فيجب على المسلم أن يوفي لقرنه بما شرطه عليه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّ المسلم إذا خرج لمبارزة كافرٍ بشرط أن لا يعين المبارز على خصمه سواه‏,‏ وجب الوفاء بشرطه‏.‏

وقالوا‏:‏ إن أعين الكافر المبارز من واحدٍ أو جماعةٍ بإذنه قتل المعين والمبارز‏,‏ وإن كانت الإعانة بغير إذنٍ قتل المعين وحده‏,‏ وترك المبارز المعان مع قرنه على حكم ما دخل عليه من الشروط‏,‏ ولو جهل هل أذن في الإعانة أم لا ‏؟‏ فالظّاهر الحمل على الإذن إن دلّت قرينة عليه‏,‏ كما إذا راطنه بلسانه ولم يعرف ما يقول فجاء عقب ذلك فوراً‏,‏ وإلا فالأصل عدم الإذن‏.‏

وإن انهزم المسلم المبارز وفرّ تاركاً المبارزة فتبعه الكافر ليقتله أو أثخن الكافر المسلم وأراد قتله منع من ذلك‏.‏

قال الزرقانيّ‏:‏ لا يقتل المبارز غير من بارزه لأنّ مبارزته كالعهد على أن لا يقتله إلا واحد‏,‏ لكن قال البساطيّ‏:‏ لو سقط المسلم وأراد الإجهاز عليه منعه المسلمون من ذلك على الصّحيح أي بغير القتل إن أمكن‏,‏ وإلا فبه‏,‏ وقال الشّارح‏:‏ لو أثخن المسلم وقصد تذفيفه منعناه على أحد القولين قال الزرقانيّ‏:‏ وهو الرّاجح‏.‏

وقال الدسوقيّ‏:‏ إن خيف على المسلم المبارز القتل من قرنه الكافر‏,‏ فنقل الباجيّ عن ابن القاسم وسحنونٍ أنّ المسلم لا يعان بوجه لأجل الشّرط‏,‏ وقال أشهب وابن حبيبٍ‏:‏ يجوز إعانة المسلم ودفع المشرك عنه بغير القتل لأنّ مبارزته عهد على أن لا يقتله إلا من بارزه‏,‏ قال الموّاق‏:‏ وهذا هو الّذي تجب به الفتوى‏,‏ ألا ترى أنّ العلج المكافئ لو أراد أن يأسره لوجب علينا إنقاذه منه‏,‏ فإن لم يمكن دفعه إلا بالقتل قتل كما في البساطيّ‏.‏

ولكنّ الموّاق ذكر أنّه‏:‏ إن خيف على المسلم القتل فأجاز أشهب وسحنون أن يدفع عنه المشرك ولا يقتل‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ للمسلم الّذي خرج للمبارزة في جماعةٍ مسلمين لمثلها من الحربيّين معاقدةً من الطّائفتين للمبارزة من غير تعيين شخصٍ لآخر عند العقد‏,‏ ولكن إذا برز عند نشوب القتال كل واحدٍ من المسلمين لكلّ واحدٍ من الكفّار فيجوز إذا فرغ المسلم من قرنه الإعانة لمسلم آخر أراد قرنه قتله‏,‏ نظراً إلى أنّ الجماعة خرجت لجماعة‏,‏ فإنّ كلّ جماعةٍ بمنزلة قرنٍ واحدٍ‏,‏ لقضيّة عليٍّ وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب رضي الله تعالى عنهم‏,‏ بارزوا يوم بدرٍ الوليد بن عتبة وعتبة بن ربيعة وأخاه شيبة بن ربيعة‏,‏ فقتل علي الوليد بن عتبة‏,‏ وقتل حمزة عتبة بن ربيعة‏,‏ وأمّا شيبة بن ربيعة فضرب عبيدة فقطع رجله فكرّ عليه علي وحمزة فاستنقذاه من شيبة وقتلاه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو تبارز مسلم وكافر بشرط أن لا يعين المسلمون المسلم ولا الكافرون الكافر إلى انقضاء القتال‏,‏ أو كان عدم الإعانة عادةً فقتل الكافر المسلم‏,‏ أو ولّى أحدهما منهزماً‏,‏ أو أثخن الكافر جاز لنا قتله‏,‏ لأنّ الأمان كان إلى انقضاء الحرب وقد انقضى‏,‏ وإن شرط أن لا نتعرّض للمثخن وجب الوفاء بالشّرط‏,‏ وإن شرط الأمان إلى دخوله الصّفّ وجب الوفاء به‏,‏ وإن فرّ المسلم عنه فتبعه ليقتله أو أثخنه الكافر منعناه من قتله وقتلنا الكافر‏,‏ وإن خالفنا شرط تمكينه من إثخانه لنقضه الأمان في الأولى وانقضاء القتال في الثّانية‏,‏ فإن شرط له التّمكين من قتله فهو شرط باطل لما فيه من الضّرر‏,‏ وهل يفسد أصل الأمان أو لا ‏؟‏ وجهان‏:‏ أوجههما الأوّل‏.‏

فإن أعانه أصحابه قتلناهم وقتلناه أيضاً إن لم يمنعهم‏,‏ أما إذا لم يشرط عدم الإعانة ولم تجر به عادة فيجوز قتله مطلقاً‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن شرط الكافر المبارز أن لا يقاتله غير الخارج إليه‏,‏ أو كان هو العادة‏,‏ لزمه الشّرط لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون على شروطهم»‏,‏ والعادة بمنزلة الشّرط‏,‏ ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة‏,‏ لأنّه كافر لا عهد له ولا أمان‏,‏ فأبيح قتله كغيره إلا أن تكون العادة جاريةً بينهم‏,‏ أي بين المسلمين وأهل الحرب‏,‏ أنّ من يخرج يطلب المبارزة لا يتعرّض له‏.‏

فيجري ذلك مجرى الشّرط‏,‏ ويعمل بالعادة وإن انهزم المسلم تاركاً للقتال أو أثخن المسلم بالجراح‏,‏ جاز لكلّ مسلمٍ الدّفع عنه‏,‏ والرّمي أي رمي الكافر وقتله‏,‏ لأنّ المسلم إذا صار إلى هذا الحال فقد انقضى قتاله‏,‏ وزال الأمان‏,‏ وزال القتال‏,‏ لأنّ حمزة وعلياً أعانا عبيدة ابن الحارث على قتل شيبة‏,‏ حين أثخن عبيدة‏,‏ وإن أعان الكفّار صاحبهم فعلى المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقاتلوا من أعان عليه لا المبارز لأنّه ليس بسبب من جهته‏.‏

وذكر الأوزاعي أنّه ليس للمسلمين معاونة صاحبهم‏,‏ وإن أثخن بالجراح‏,‏ وخاف المسلمون على صاحبهم‏,‏ لأنّ المبارزة إنّما تكون هكذا‏,‏ ولكن لو حجزوا بينهما وخلّوا سبيل العلج الكافر‏,‏ قال‏:‏ فإن أعان العدو صاحبهم فلا بأس أن يعين المسلمون صاحبهم‏.‏

ضرب وجه المبارز الكافر

9 - قال الحنفيّة‏:‏ لو توجّه لأحد ضرب وجه من يبارزه وهو في مقابلته حال الحملة لا يكف عنه إذ قد يمتنع عليه بعد ذلك ويقتله‏.‏

القود في المبارزة على وجه الملاعبة أو التّعليم

10 - نقل ابن عابدين عن صاحب المحيط أنّه لو بارز اثنان على وجه الملاعبة أو التّعليم فأصابت الخشبة عين أحدهما فذهبت يقاد إن أمكن‏.‏

تحريض المبارزين بالتّكبير

11 - لا يستحب عند الحنفيّة رفع الصّوت بالتّكبير والتّهليل في الحرب إلا إذا كان فيه تحريض للمبارزين فلا بأس به‏.‏

مَبارِك الإِبل

التّعريف

1 - المبارك جمع مبركٍ‏,‏ وهو موضع البروك‏,‏ يقال‏:‏ برك البعير بروكاً‏:‏ وقع على بركه وهو صدره‏,‏ ويقال‏:‏ أبركته أنا‏,‏ والأكثر‏:‏ أنخته فبرك‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏,‏ وبعض الفقهاء يسوون بين المبارك والمعاطن‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المرابض‏:‏

2 - المرابض جمع مربضٍ‏,‏ وهو مأوى الغنم‏,‏ وهو كالمبرك للإبل‏.‏

والصّلة بينهما المغايرة والمباينة‏.‏

ب - المرابد‏:‏

3 - المرابد‏,‏ جمع مِربد‏,‏ بوزن مِقود‏,‏ وهو موقف الإبل‏,‏ أو الّذي تحبس فيه الإبل والمربد أعم من المبرك‏.‏

الأحكام المتعلّقة بمبارك الإبل

أ - الصّلاة في مبارك الإبل‏:‏

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّلاة في مبارك الإبل مكروهة ولو طاهرةً أو فرشت بفراش طاهرٍ‏,‏ وعن أحمد روايتان‏:‏ إحداهما أنّ الصّلاة لا تصح فيها بحال‏,‏ وتلزم الإعادة إن صلّى فيها‏,‏ والرّواية الثّانية كالجمهور والصّلاة صحيحة‏,‏ ما لم تكن المبارك نجسةً‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة ف 105‏)‏‏.‏

ب - علّة النّهي عن الصّلاة في مبارك الإبل‏:‏

5 - قال الحنفيّة والشّافعيّة‏:‏ علّة النّهي عن الصّلاة في مبارك الإبل ما في الإبل من النفور‏,‏ فربّما نفرت وهو في الصّلاة فتؤدّي إلى قطعها‏,‏ أو أذىً يحصل منها‏,‏ أو تشوش الخاطر الملهي عن الخشوع في الصّلاة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ النّهي تعبدي لا لعلّة معقولةٍ‏,‏ وهو قول عند الحنابلة‏,‏ وفي قولٍ عندهم‏:‏ إنّ المنع معلّل بأنّها مظنّة للنّجاسات‏,‏ لأنّ البعير البارك كالجدار يمكن أن يستتر به ويبول‏,‏ وهذا لا يتحقّق في حيوانٍ سواها‏,‏ لأنّه في حالٍ ربضه يستر‏,‏ وفي حال قيامه لا يثبت‏,‏ ولا يستر‏,‏ وقد ورد أنّ ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أناخ راحلته‏,‏ مستقبل القبلة ثمّ جلس يبول إليها‏.‏

مُباشرة

التّعريف

1 - من معاني المباشرة في اللغة‏:‏ الملامسة، وأصله من لمس بشرة الرّجل بشرة المرأة ومن معانيها - أيضاً -‏:‏ الجماع‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن ذلك‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمباشرة

تتعلّق بالمباشرة أحكام منها‏:‏

مباشرة الحائض في زمن الحيض

2 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ وطء الحائض في الفرج حرام لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ‏}‏ كما لا خلاف بينهم في جواز مباشرتها فيما فوق السرّة ودون الركبة لحديث‏:‏ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ «سئل عمّا يحل للرّجل من امرأته وهي حائض ‏؟‏ فقال‏:‏ ما فوق الإزار»‏.‏

واختلفوا في مباشرتها فيما بين السرّة والركبة‏:‏

فذهب الجمهور إلى أنّه حرام واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يباشرها أمرها أن تتّزر في فور حيضتها ثمّ يباشرها»‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يجوز أن يصنع كلّ شيءٍ ما عدا الوطء‏.‏

وللتّفصيل ينظر‏:‏ ‏(‏حيض ف 42‏)‏‏.‏

مباشرة الصّائم

3 - يجوز للصّائم أن يباشر زوجته بما دون الفرج، إن أمن من الوقوع في المحظور، ولا يبطل صومه إن لم ينزل، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كان النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقبّل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه»‏.‏

‏(‏ر‏:‏ صوم ف 39‏)‏‏.‏

وتحرم المباشرة إن كانت تحرّك شهوته لخبر‏:‏ «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ رخّص في القبلة للشّيخ وهو صائم، ونهى عنها الشّابّ وقال‏:‏ الشّيخ يملك إربه والشّاب يفسد صومه»‏.‏

قال الرّملي‏:‏ ففهمنا من التّعليل أنّه دائر مع تحريك الشّهوة وعدمها ولأنّ فيه تعريضاً لإفساد العبادة‏.‏

والمباشرة والمعانقة كالقبلة‏.‏

مباشرة المعتكف

4 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المباشرة بمعنى الوطء يحرم على المعتكف لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ‏}‏‏.‏

وأمّا المباشرة بلا وطءٍ ففيها تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏اعتكاف ف 27‏)‏‏.‏

مباشرة المحرم

5 - يحرم على المحرم مباشرة النّساء بأنواعها‏:‏ الجماع والقبلة والمعانقة واللّمس بشهوةٍ ولو مع عدم الإنزال لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 93‏)‏‏.‏

التّعدّي على الغير بالمباشرة

6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ التّعدّي على الغير مباشرةً هو من أقوى أسباب الضّمان‏.‏ كما اتّفقوا في الجملة‏:‏ على أنّه إذا اجتمع المباشر والمتسبّب أضيف الحكم إلى المباشر وإن اختلفوا في بعض الجزئيّات‏.‏

فالقاعدة‏:‏ إذا اجتمع السّبب والمباشرة أو الغرور والمباشرة قدّمت المباشرة‏.‏

مُبَالَغة

التّعريف

1 - المبالغة في اللغة‏:‏ مصدر بالغ يقال‏:‏ بالغ يبالغ مبالغةً وبلاغًا‏:‏ إذا اجتهد في الأمر ولم يقصّر، والمبالغة‏:‏ المغالاة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمبالغة

المبالغة في المضمضة والاستنشاق في الوضوء

2 - المبالغة في المضمضة إدارة الماء في أعماق الفم وأقاصيه وأشداقه والمبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنّفس إلى أقصى الأنف‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّ المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنّة لغير الصّائم‏.‏

أمّا للصّائم فالمبالغة فيهما مكروهة بالنّسبة له لحديث لقيط بن صبرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء‏,‏ صوم ف 83‏)‏‏.‏

المبالغة في غسل أعضاء الوضوء

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحب إسباغ الوضوء أي غسل ما فوق الواجب من أعضاء الوضوء أو مسحه لما روى نعيم المجمّر أنّه رأى أبا هريرة رضي الله عنه يتوضّأ فغسل وجهه ويديه حتّى كاد يبلغ المنكبين ثمّ غسل رجليه حتّى رفع إلى السّاقين ثمّ قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول‏:‏ «إنّ أمّتي يأتون يوم القيامة غراً محجّلين من أثر الوضوء‏,‏ فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته فليفعل»‏,‏ والغرّة‏:‏ بياض في وجه الفرس، والتّحجيل في يديه ورجليه، ومعنى الحديث‏:‏ يأتون بيض الوجوه والأيدي والأرجل‏.‏

وصرّح الحنابلة بأنّه يستحب المبالغة في أعضاء الوضوء والمبالغة عندهم في غير المضمضة والاستنشاق هي دلك المواضع الّتي ينبو عنها الماء أي لا يطمئن عليها وعركها بالماء‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّه يجب دلك أعضاء الوضوء والدّلك - في الرّاجح - عندهم‏:‏ هو إمرار اليد على العضو‏.‏

كما صرّحوا بأنّه لا تندب إطالة الغرّة وهي الزّيادة في مغسول الوضوء على محلّ الفرض‏.‏

المبالغة في دلك العقب في الوضوء

4 - صرّح جمهور الفقهاء باستحباب دلك العقب في الوضوء‏.‏

قال مالك‏:‏ وينبغي أن يتعاهد عقبيه‏.‏

وقال البغوي‏:‏ ويجتهد في دلك العقب لا سيّما في الشّتاء فإنّ الماء يتجافى عنها‏.‏

وصرّح الشّربيني الخطيب‏:‏ بأنّه يستحب أن يدلك أعضاء الوضوء ويبالغ في العقب خصوصاً في الشّتاء فقد ورد‏:‏ «ويل للأعقاب من النّار»‏.‏

وذكر نحو هذا الحطّاب وابن قدامة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

المبالغة في الغُسل

5 - لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الإسراف والمبالغة في الغسل فما زاد على الكفاية أو بعد تيقن الواجب فهو سرف مكروه إلا إذا كان الماء موقوفاً فإنّه يحرم الزّيادة على الكفاية لكونها غير مأذونٍ فيها‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ إسراف ف 8 غسل ف 40‏)‏‏.‏

المبالغة في رفع الصّوت بالأذان

6 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يستحب رفع الصّوت بالأذان بلا إجهادٍ لنفسه لئلا يضرّ بها لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي سعيدٍ الخدريّ‏:‏ «إنّي أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذّنت بالصّلاة فارفع صوتك بالنّداء، فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة»‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يسن الجهر بالأذان ورفع الصّوت به ولا ينبغي أن يجهد نفسه لأنّه يخاف حدوث بعض العلل‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ رفع الصّوت بالأذان ركن ويستحب رفع صوته بقدر طاقته وتكره الزّيادة فوق طاقته خشية الضّرر‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏أذان ف 24 - 25‏)‏‏.‏

المبالغة في الدعاء ورفع اليدين في الاستسقاء

7 - ذهب الفقهاء في الجملة إلى استحباب المبالغة في الدعاء، وفي رفع اليدين في الاستسقاء لما جاء في حديث أنسٍ رضي الله عنه‏:‏ «كان صلّى اللّه عليه وسلّم يرفع يديه حتّى يرى بياض إبطيه»‏.‏

وذكر الزرقاني أنّ معنى المبالغة في الدعاء يحتمل أمرين‏:‏ إمّا الإطالة في الدعاء وإمّا الإتيان بأجوده وأحسنه أو يحتملهما معاً وذكر - أيضاً - أنّ المبالغة في الدعاء تكون من الإمام ومن معه من الحاضرين‏.‏

‏(‏ر‏:‏ استسقاء ف 19 دعاء ف 8‏)‏‏.‏

المبالغة في المدح

8 - قال النّووي‏:‏ وردت أحاديث في النّهي عن المدح وأحاديث في الصّحيحين بالمدح في الوجه‏.‏

قال العلماء‏:‏ وطريق الجمع بينها أنّ النّهي محمول على المجازفة في المدح والزّيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجابٍ ونحوه إذا سمع المدح، أمّا من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته، فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة، بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير، والازدياد منه، أو الدّوام عليه، أو الاقتداء به، كان مستحباً‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ مدح‏)‏‏.‏